Radio Romania International

Arhiva :

الإذاعة الرومانية إبان ثورة ديسمبر/كانون الأول 1989
(2010-12-28)
آخر تحديث 2011-01-05 14:51 EET Print
" نظرا لما أسفرت عنه أعمال التخريب و الإرهاب من انتهاكات خطيرة للنظام العام وتدمير للخيرات المشاعية وبموجب المادة خمسة و سبعين للدستور فإن رئيس جمهورية رومانيا الاشتراكية يقرر فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد .. كانت تلك آخر وثيقة رسمية وقعها الدكتاتور في محاولة يائسة أخيرة لضرب على الوتر الحساس في وجدان الرومانيين ولعب ورقة الضمير الوطني لعله يحصل على دعمهم بعد أن فشل رصاص جهازه القمعي في كسر عزيمة المتظاهرين في مدينة تيميشوارا وبعدها في العاصمة بوخارست أيضا .. وقد أذيع هذا المرسوم عبر الإذاعة والتلفزيون أربع مرات في غضون ساعة واحدة فقط .. وفي الساعة الحادية عشرة من صباح نفس اليوم سمع عبر أثير الإذاعة صوت المواطن دان كريستيسكو الذي قال : أيها الأخوة لقد جئنا من وسط المدينة للتو لنعلمكم بأننا أحرار .. لقد نلنا حريتنا من خلال ثورة سلمية ".. كانت الإذاعة الرومانية واحدة من المؤسسات الديمقراطية النموذجية منذ تأسيسها في عام 1928 وحتى استيلاء الشيوعيين على السلطة في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وطوال تلك السنوات أدت مهمتها كمؤسسة وطنية إعلامية بنزاهة و مهنية .. لكن النظام الشيوعي حول الإذاعة إلى أداة لدعايته الفاحشة مثلما فعل مع التلفزيون و الصحافة المقرئة. لكن في الثاني و العشرين من ديسمبر كانون الأول عام 1989 فتحت الإذاعة أبوابها أمام المواطنين العاديين متيحة لهم توجيه رسائل صوتية عبر أثيرها لإطلاع الناس على ما شاهدوه من تطورات على الأرض وكذلك ولإطلاق العنان لمشاعرهم الجياشة والتعبير عن السعادة الغامرة التي انتباتهم وهم يرون الرومانيين يتحررون من قبضة نظام غاشم .. وفي الأيام المتبقية حتى نهاية العام تعاقبت على ميكروفون الإذاعة شخصيات للحياة العامة ومنهم من تقلدوا مناصب عليا في هيئات السلطة الجديدة فيما بعد ومنهم من أتوا إلى الإذاعة لمخاطبة الناس متأثرين بحالة النشوة التي كان الجميع يعيش فيها آنذاك .. ويحتفظ مركز التاريخ المروي للإذاعة بتسجيلات صوتية تعود إلى تلك الأيام .. وكانت الشاعرة أنا بلانديانا واحدة من الشخصيات الثقافية التي تحدثت إلى الرومانيين من وراء ميكروفون الإذاعة الرومانية وقالت : " أصدقائي لقد جئت إلى الإذاعة قادمة من ساحة القصر حيث انضممت إلى عشرات الآلاف من المواطنين الذين يكادون لا يصدقون أنهم عاشوا ليروا يوما كهذا ... فبعد كل هذه السنوات التي عشنا فيها في الذل و المهانة ها نحن فعلنا ما فعلناه بأنفسنا دون مساعدة من هم أكبر منا أو أقوى ..إن الذين سقطوا في تيميوشوارا وفي بوخارست منحونا القوة لكي نكون كما أردنا دائما أن نكون كما أملنا أن نكون كما أراد لنا أجدادنا أن نكون كما كان شاعرنا ايمينيسكو يصورنا في قصائده ..لقد أقنعنا العالم بأننا شعب ذو إرادة وأخيرا أثبتنا للجميع أننا لسنا شعبا من النباتات .." كانت الإذاعة الرومانية منبرا حرا لكل من أرادوا بث رسالة الحرية إلى المواطنين في أرجاء البلاد أو المساهمة في استعادة النظام بعد الاضطرابات التي كانت رومانيا قد عاشت في ظلها منذ اندلاع أحداث تيميشوارا في السابع عشر من ديسمبر وحتى فرار نيقولاي شاوشيسكو في الثاني و العشرين من نفس الشهر .. . وقد تولى مجلس جبهة الإنقاذ الوطني بزعامة يون إلييسكو مهمة إعمار رومانيا سياسيا . وفي الثاني و العشرين من ديسمبر كانون الأول عام 1989 قرأ يون إلييسكو بيان الجبهة إلى الأمة من وراء ميكروفون الإذاعة الرومانية حيث قال: " أيها المواطنون الأعزاء لقد كلفني مجلس جبهة الإنقاذ الوطني الحديثة التأسيس بقراءة بيانها إلى الأمة . أيها المواطنون .. نعيش لحظة تاريخية لحظة الإطاحة بنظام شاوشيسكو الذي جر البلاد إلى كارثة ..نعلم جميعا أن الانتصار الذي حققناه والذي أدخل البهجة إلى قلوبنا جميعا هو ثمرة روح التضحية التي تتحلى بها الجماهير الواسعة وفي طليعتها شباننا البواسل الذين أعادوا إلينا كرامتنا الوطنية دافعين دماءهم ثمنا لحريتنا كما لا ننسى أولئك الذين عرضوا حياتهم للخطر وناهضوا الطاغية و نظامه في السنوات الأخيرة .. ها نحن على عتبة عصر جديد في حياتنا السياسية و الاقتصادية .. فالأهداف الرئيسية لجبهة الإنقاذ الوطني هي إحلال الديمقراطية و احترام الحرية و إعادة الكرامة إلى الشعب الروماني ... وبهذه المناسبة تعلن جبهة الإنقاذ الوطني عن حل كافة تراكيب السلطة التابعة لنظام شاوشيسكو وإقالة الحكومة ووقف عمل مجلس الدولة و سائر المؤسسات المنبثقة عنه". لم تسلم الإذاعة الرومانية عن أحداث العنف إبان ثورة ديسمبر كانون الأول عام 1989 بل كانت هي أيضا نقطة ساخنة في مسار أحداثها إذ وقعت أمام مبناها اشتباكات عنيفة أسفرت عن وقوع خسائر في الأرواح .. ربما أقوى تعبير عن حب الحرية هو التضحية بالنفس دفاعا عن مؤسسة إعلامية هي صوت من أصوات الحرية ..