Radio Romania International

Arhiva :

محاكمة سيليسترا
(2010-10-26)
آخر تحديث 2010-11-08 17:34 EET Print
بعد الحربين البلقانيتين عامي ألف و تسعمائة و اثني عشر و ألف وتسعمائة وثلاثة عشر استولت بلغاريا و صربيا و الجبل الأسود و اليونان على بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية وخاصة مقدونيا وألبانيا و تراكيا. وفي عام 1913 دخلت رومانيا في الحرب البلقانية الثانية ضد بلغاريا بهدف الحصول على جنوب منطقة دوبروجيا المعروف باسم الكادريلاتر و استطاعت ضم هذه المنطقة بعد انتصارها على بلغاريا بموجب اتفاقية السلام التي وقعت في بوخارست عام 1913 . لكن الحربين البلقانيتين لم تحلا مشكلة الحدود في البلقان و لم تكونا إلا مقدمة للحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1914.أثناء الحرب احتلت القوات الألمانية والبلغارية منطقة دوبروجيا بما فيها إقليم كاديلاتير ولكن اتفاق السلام الموقع في عام 1919 أعاد بحدود رومانيا الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل الحرب . إلا أن الخلافات و النزاعات استمرت في البلقان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقيات السلام. ففي إقليم كادريلاتير انضمت المنظمة الثورية البلغارية التي كانت تناضل من أجل إقامة بلغاريا الكبرى إلى منظمة الاشتراكية الدولية الثالثة المعروفة باسم الكومنترن وطبقت في كديلاتير نفس السياسية التي كانت قد مارستها في مقودنيا في مطلع القرن العشرين إذ كان أفرادها يعبرون الحدود وينفذون عمليات إرهابية ضد المدنيين و خاصة ضد المستوطنين الرومانيين . فالتقارير الصادرة عن الشرطة الرومانية في عشرينات القرن الماضي تحدثت عن مئات العمليات المسلحة التي نفذها عناصر المنظمة الثورية البلغارية في الأراضي الرومانية و عن وقوع ضحايا في الأرواح .. وفي الوقت نفسه كان السلطات الرومانية تنظر بعين الشك إلى المدنيين البلغاريين وتشتبه بأنهم يقدمون العون و الدعم للمنظمة الثورية البلغارية في تنفيذ عملياتها الإرهابية ضد الرومانيين وما لبث حتى شنت سلسلة من العمليات الانتقامية ضدهم . و إحدى أشهر الحلقات في تاريخ الخلافات بين الرومانين و البلغار في المنطقة هي محاكمة ثلاثمائة و ستة و ثلاثين قرويا بلغاريا على أيدي السلطات الرومانية بتهمة مساعدة الإرهابيين البلغار . وجرت المحاكمة في مدينة سيليسترا عاصمة محافظة دوروستور بإقليم كادريلاتير و ظلت معروفة في التاريخ باسم محاكمة سيليسترا .. في عام 1995 أجرى محررو مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلة مع نيقولا نيقولاي الذي تذكر الأجواء التي جرت بها المحاكمة وأصداءها أصداء في الصحف الرومانية و قال : "في عام 1936 وجهت تهمة العمل على زعزعة الاستقرار إلى حوالي ألفين من الفلاحين البلغار و تم محاكمة ثلاثمائة و ستة و سبعين منهم في مدينة سيليسترا . وفي السادس من ديسمبر كانون الأول عام 1937 خصصت صحيفة ديمينياتسا اليسارية لهذا الحدث مقالا جاء فيه : استقبلت هيئة تحرير صحيفتنا في مقرها وفدا لممثلي الفلاحين البلغار من محافظة دوروسترو الذين نبهونا إلى المحاكمة السياسية التي نظمت ل376 قرويا بلغاريا و طلبوا من المجتمع الروماني التضامن معهم و دعمهم في إقناع السلطات الرومانية بإنهاء المحاكمة ووضع حد للتجاوزات التي تعرض لها المتهمون" اجتازت أصداء المحاكمة حدود رومانيا وحصل الفلاحون البلغار على المساعدة القانونية من محامين رومانيين و أجانب .. كما استفادوا من دعم بعض الجنود الرومانيين الذين لم يمتثلوا للأوامر ولم يعتقلوا الفلاحين .. في حين أن أعضاء الحرس الحديدي اليميني المتطرف تبنوا موقفا عدائيا حيال المواطنين الذين تضامنوا مع الفلاحين البلغار و قدموا المساعدة للمحامين الرومانيين .. وكان والد ضيفنا واحدا من الرومانيين الذين ساعدوا محامي المتهمين البلغار: "شنت منظمة الحرس الحديدي في مدينة سيليسترا حملة تخويف شرسة ضد المواطنين الذين قدموا أية خدمة للمحامين الرومانيين .. كان والدي رجلا ذا توجهات سياسية يسارية و عندما بدأت المحكمة و وصل المحامون الرومانيون إلى سيليسترا دعاهم لتناول وجبات الطعام مجانا في مطعمه .. أما أنا فأقمت علاقة صادقة مع بعض المحامين . ذات يوم سألني أحدهم إن كنت حضرت محاكمة من ذي قبل و أجبته بالنفي فاقترح علي أن أرافقه إلى المحكمة في اليوم التالي .. وذهبت .. ومع أن الجنود لم يسمحوا لي بالدخول إلى قاعة المحاكمة إلا أنني شاهدت المتهمين و رأيت أيديهم التي أظهرت آثار الإحراق بالجمر الساخن .. كانت الحروق عميقة جدا حتى أنني رأيت عظام أصابعهم .. وقال لي المحامي فيما بعد أنه كان قد لاحظت مثل هذه الحروق الخطيرة على ظهور بعض المتهمين . صمدت لما شاهدته و سمعته في ذلك اليوم" أصدرت المحكمة أحكاما بالسجن لمدة سنتين بحق سبعة وتسعين من الفلاحين البلغار المتهمين في هذه القضية ولكن بعد عام من ذلك تم الإفراج عنهم بموجب قرار محكمة الاستئناف .