Radio Romania International

Arhiva :

بيان تيميشوارا
(2010-03-30)
آخر تحديث 2010-04-19 17:12 EET Print
و في نفس الفترة ظهرت أولى المحاولات لاستعادة التاريخ وتصحيح ما كان المؤرخون الشيوعيون قد زيفوا أو شوهوا فيه من أحداث و تفسيرات ..وقد أدرك الجميع أن الطريق إلى المجتمع الديموقراطي أكثر مشقة مما كان متوقعا بعد سقوط النظام الدكتاتوري .. وقد وجد مطلع عام 1990 المجتمع الروماني منقسما بين من طالبوا بإصلاح بطئ ومحدود للاقتصاد و مؤسسات الدولة بقيادة جبهة الإنقاذ الوطني و زعيمها يون إيليسكو وبين من دعوا إلى إصلاح عاجل و جذري بقيادة الأحزاب التقليدية التي نشطت في رومانيا من نهاية القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وأبرزها الحزب الوطني الليبرالي و الحزب الوطني الفلاحي المسيحي للديموقراطي ..وكانت تلك الأحزاب تمثل آنذاك أقلية سياسية رغم انضواء بعد المنظمات المدنية تحت لوائها للمشاركة في مساعيها الرامية إلى توعية الرأي العام بخطر بقاء المجتمع الروماني رهينة التراكيب السياسية القديمة .. وكانت مؤسسة تيميشوارا إحدى أنشط تلك منظمات المدنية . قام بتأسيسها مجموعة من المثقفين في مدينة ميتيشوارا غرب رومانيا في التاسع عشر من يناير كانون الثاني عام 1900 و انفردت هذه المؤسسة بوضعها وثيقة قيمة جدا بالنسبة لتاريخ الديموقراطية في رومانيا ما بعد ثورة عام 1989 أطلق عليها بيان تيميشوارا وكانت بمثابة خريطة طريق تضم الإجراءات و الخطوات التي يمكن أن تساعد المجتمع الروماني على طي صفحة ماضيه الشيوعي .. تألفت الوثيقة من ثلاثة عشر بندا وكان البند الثامن يطالب بتبني قانون انتخابي يمنع كبار المسؤولين الشيوعيين و المتفرغين الحزبيين السابقين و رجال الشرطة السياسية السابقة من تقلد مناصب رفيعة في الدولة . كانت ردود فعل المجتمع الروماني على بيان تيميشوارا سريعة و قوية وتكللت بالمظاهرة الغارمة التي نظمها ممثلو المجتمع المدني في بوخارست في ساحة الجامعة في الثاني والعشرين من إبريل نيسان عام 1990 و التي استمرت حتى الثالث عشر من يونيو حزيران من نفس العام .. و رغم مرور عشرين عاما على تلك الأحداث فإن هناك من لا يزالون يعتقدون أن السبب الوراء عدم تحقيق بيان تيميشوارا أهدافه المرجوة يكمن في استمرار نفوذ رجال النظام الشيوعي السابق في المجتمع حتى يومنا هذا . المؤرخ أدريان تشورويانو الأستاذ في جامعة بوخارست يعتبر بيان تيميشوارا فصلا غير منته في تاريخ رومانيا الحديث: " احتفلت مدينة تيميشوارا بذكرى مرور عشرين عاما على إطلاق هذه الوثيقة الهامة و الجوهرية بالنسبة لتاريخ رومانيا ما بعد ثورة عام 1989 .. في منتصف تسعينات القرن الماضي كنا جميعنا على أتم يقين من شرعية مطالب هذا البيان و أخص بالذكر بنده الثامن غير أنه لم يكن البند الضروري الوحيد في هذه الوثيقة .. ولكن في عام 1997 كنت واحدا ممن شاطروا رئيس الجمهورية إيميل كونستانتينيكو رأيه أن هذا البند فقد راهنيته بعد أن كنا شهدنا قبل عام من ذلك قريبا تغيير السلطة بالطرق الديموقراطية ." أما المؤرخ أندري أويشتيانو فصنف بيان تيميشوارا في مربع الذاكرة الاجتماعية حيث قال : "لا شك أن لهذا البيان أهميته في حفر أحداث ثورة ديسمبر في ذاكرتنا ليس كأفراد وإنما كجيل بأكمله ذلك أننا نميل إلى توخي التحفظ في تعاملنا مع فجائع النظام الشيوعية الاجتماعية منها و الثقافية و القانونية و التي عانينا ا منها مدة 45 عاما و ونبدي التحفظ أيضا في إدانة الشيوعية بشدة .. لذلك يمكنني القول إن تيميشوارا تفوقت على بوخارست بطريقة حفاظها على ذكرى أحداث عام 1989 ربما لأنها أصغر من العاصمة و لأن التماسك الاجتماعي أقوى فيها مقارنة ببوخارست التي هي مدينة كبيرة متعددة الأجناس وربما أيضا لأن سكان تيميشوارا خاضوا مجابهتهم مع النظام الشيوعي بمفردهم وهذه التجربة التي لم يعرفها سكان أية مدينة أخرى خلفت آثارا عميقة لديهم . صحيح أن كثرة الذكريات ضارة ولكن قلتها أضر بكثير وهنا أود أن أشيد بسكان تيميشوارا الذين أفلحوا في تحديد وإبراز اللحظات الرئيسية للثورة بكل دقة ولم يستهينوا بأية منها .. لكني لا أنسى أنه توجد على أحد جدران مبنى جامعة بوخارست لوحة كتبت عليها العبارة التالية : في هذا المكان سقط أساتذة و طلبة جامعيون فداء للحرية بين ديسمبر 1989 و يونيو 1990 وهذا القوس فوق الزمن لافت جدا لأنه يوحي بأن الثورة لم تنته بإبعاد شاوشيكسو و زوجته و حشيته عن السلطة بل إنها بدأت في الخامس عشر من ديسمبر كانون الأول 1989 في تيميشوارا و انتهت في بوخارست في الخامس عشر من يوينو حزيران عام 1990 .. " بيان تيميشوارا يلخص رؤية جزء من المجتمع الروماني حول سبل الخروج من سواد الليل الشيوعي الشمولي .. وما فشله سوى فشل المجتمع ككل و لا سيما شريحته التي رفضت مطالبه بشدة في ذلك الوقت ..