Radio Romania International

Arhiva :

الإطروحات التاريخية الجديدة في رومانيا في عهد ستالين
(2009-11-09)
آخر تحديث 2009-12-02 18:14 EET Print
و مع حاجة النظام الشيوعي إلى اصنع مسار جديد للتاريخ و من شأنه أن يكسبه شيئا من الشرعية إذ أراد النظام الشيوعي أن يقنع المواطنين بأن المجتمع المثالي بلا طبقات ولا استغلال الذي كان يدعو لإنشائه تطبيقا للفلسفة الماركسية ما هو إلا النتيجة الطبيعية المحتومة لتطور المجتمع و الاتجاه الصحيح الذي تقود إليه جميع القوانين التي تحكم مجرى التاريخ .. وأن كل ما يجب أن تعمله الطبقة العمالية بقيادة حزبها الشيوعي هو الإسراع في إنشاء هذا المجتمع الذي سيجلب السعادة و الرخاء للشعوب وسينسيها معاناتها في ظل الأنظمة الرأسمالية. لتحقيق أهدافه فرض النظام الشيوعي رقابة شديدة على مجال البحث العلمي التاريخي وكانت مهمة الرقباء وهم من المتعصبين الماركسيين أن يقوموا بإعادة تأهيل المؤرخين وإعدادهم للتعامل مع الوقائع التاريخية بما يتناسب مع الرؤية الماركسية و مع رغبة النظام في تطبيق النموذج السوفييتي في جميع ميادين الحياة .. و في مجال علم التاريخ كان تطبيق الأطروحات الماركسية الهدف الرئيسي للنظام في مساعيه الرامية إلى إثبات شرعيته . و بالنتيجة حلت الأطروحات الماركسية محل جميع النظريات العملية السابقة التي كان المؤرخون قد وضعوها على مدار أجيال خلت . وكانت واحدة من تلك لأطروحات الدخيلة تبالغ في دور العنصر السلافي في تكوين الأمة الرومانية و اللغة الرومانية على حساب مكوناتها اللاتينية مع التقليل من شأن حضارة روما القديمة ودورها الأساسي في نشأة الشعب الروماني كما تثبته المصادر التاريخية التي تؤكد أن الشعب الروماني تكون نتيجة اختلاط أبناء شعب الداك مع المستعمرين الرومان القدامى دون أن تنكر تأثير الشعوب المهاجرة التي استقرت لفترات من الزمن على أرضه ومن بينها الشعب السلافي .. المؤرخة إيوجينيا زاهاريا كانت في نهاية الخمسينات باحثة في معهد علم الآثار في بوخارست هي واحدة من الباحثين الذين شهدوا الهجوم البغيض الذي شنه المتفرغون الحزبيون على حضارة روما القديمة للتهاون بتأثيرها على حضارة شعب الداك .. وفي حديث لمحرري مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية عام 1996 شرحت الهدف من ذلك الهجوم قائلة : "كان الهدف من هذا الهجوم نهميش دور حضارة روما القديمة في ظهور الحضارة الرومانية ذلك الدور الذي تجسد فيما ما يعرفه المؤرخون بعملية إضفاء الصفة اللاتينية على شعب الداك و حضارته .. وبموجب الأطروحات التاريخية الجديدة التي تم ترويجها في بداية العهد الستاليني في رومانيا فسر استعمار روما القديمة لبلاد الداك غزوا و ليس فتحا لأرضها وأنكرت مساهمتها في تطوير حضارة الداك مع الاستهانة وبثمار هذه العملية عرقيا و لغويا و حضاريا . طبعا لا أحد ينفي الحروب الشرسة التي خاضتها روما القديمة على شعب الداك للاستيلاء على بلادهم ولا أحد ينفي أن استعمارها لبلاد جاء نتيجة لاستيلائها على أراضيه ولكن نتيجة الفتح الروماني لبلاد الداك تمثلت في نشأة شعب لاتيني جديد هو الشعب الروماني الحالي و ظهور الحياة المتحضرة على أرضه و انتقاله إلى الحياة المتمدنة الحقيقية" ما هي الأهداف التي كانت تتوخاها الأطروحات التاريخية الجديدة التي كانت تقلل من شأن العنصر اللاتي في تكوين الشعب الروماني لحساب العنصر السلافي. كانت أهدافها تنجم من الاحتياجات السياسية لتلك الفترة التي اقتضت رسم صورة إيجابية للسلاف وتقديمهم على أنهم شعب متقدم ومتحضر وأن حضارتهم متفوقة على حضارة روما القديمة مع أن الأدلة التاريخية تبرهن على عكس ذلك تماما إذ كان الشعب السلافي في الحقيقة يعيش على هامش الحضارة الإغريقية اللاتينية في حالة من التخلف الاقتصادي والسياسي و الثقافي الشديد... وتحت ضغط المتطلبات السياسية تم تعديل كتب التاريخ المدرسية من المرحلة الابتدائية لتقدم شعب السلاف على أنه لطيف و مجتهد وطيب ومتواضع رغم أن جميع المصادر التاريخية تؤكد أن غزو السلاف لأراضي رومانيا الحالة كان الأكثر وحشية من كل غزوات الشعوب المهاجرة . هل كان بإمكان المؤرخين الحفاظ على نزاهة عملهم العلمي في مثل هذه الظروف .. ضيفتنا يوجينيا زاهاريا من جديد : "لم يكن بإمكان المؤرخين أن يصرحوا بالحقيقة ويقولوا إن الاستعمار الروماني أجدى نفعا لجميع الشعوب القديمة في أوربا ..وإن نتائجه كانت إيجابية ..وكان أي باحث يتجرأ على الترويج لهذه الأطروحة يتعرض لمضايقة خاصة إذا أراد أن ينشر بحوثه" وقد واجهت أنا شخصيا مثل هذه الصعوبات مع الفريق الذي كنت أعمل معه فقد أجرينا بحثا حول فترة الاستعمار الروماني لبلاد الداك استنادا إلى الآثار المكتشفة في مختلف المواقع و تطرقنا فيه إلى استمرارية العنصر اللاتيني على أراضي رومانيا الحالية في القرون التي تلت انسحاب الرومان القدامى منها أي بعد القرن الثالث الميلادي .و.قد تم احتجاز البحث لدى دار النشر وفرض حظر على نشره ..وقالوا لنا إن الإمبراطورية الرومانية البيزنطية كانت دولة رجعية وإن البحوث التي تتناولها ليست جديرة بالنشر .